مقالات

الوزيرة وفردوس.. الموت الملتصق..! بقلم| مجدي الجلاد

مات مرضى الفشل الكلوي في ديرب نجم لأن وزيرة الصحة قررت في أول يوم عمل لها بالوزارة إصلاح المنظومة الطبية بالسلام الجمهوري وقسم الأطباء.. وفي ذلك اتساق تام مع واقع نعيشه في الدولة منذ زمنٍ طويلٍ..!

ماتت المواطنة “فردوس” على ماكينة الغسيل الكلوي لأن الوزيرة “هالة زايد” تؤمن بأن الإنجاز بإثبات الوطنية وليس بالعمل والإخلاص وتقديم خدمة آدمية للمواطنين.. تعلمت في “دولاب” الدولة المتهالك أن الشعارات أهم من جودة الأداء.. وأن الضمير الوطني يعني الاستيقاظ مبكراً وتحية العلم.. ثم تقديم واجب العزاء حين يموت المريض إهمالاً وتقصيراً..!

الست “فردوس” ليست ضحية الإهمال.. والست هالة ليست استثناءً.. فردوس ولدت في عهد قديم يراها رقماً في شهادة الميلاد وبطاقة التموين ثم شهادة الوفاة.. وهالة تحولت تدريجياً إلى رقم في كشوفات الترقي الوظيفي وليس العلمي.. فردوس لم تحصل على تعليم يمنحها فرصة التحقق في الحياة.. ولم تجد رعاية صحية تجنبها المرض المبكر.. وحين ألمّ بها الفشل الكلوي لم تندهش ولم تبتئس.. إذ وضعت فشلاً على فشل.. وألقت بجسدها المنهك على ماكينة الغسيل.. وحين يتساوى الموت مع الحياة لا يسأل المرء عن كفاءة الدواء أو سلامة جهاز العلاج..!

الوزيرة “هالة” وماكينة الغسيل ولدتا في يوم واحد.. أو هما توأم ملتصق.. الأب مجتمع عميق لا يعترف بأن الإنسان هو الوطن وأن حياته أغلى وأكرم من الكعبة المشرفة.. والأم دولة متكلسة ظلت تحتفل كل صباح بشعار جديد دون تحقق.. لذا كان منطقياً أن تزور الوزيرة مستشفى ديرب نجم وتتهم “الإهمال” وتحيل الأطباء والمسؤولين للتحقيق.. وكأن الإهمال هو القاتل، والأطباء والمسؤولين أقل كفاءة والتزاماً من نظرائهم في المستشفيات العامة الأخرى..!

منذ تفتحت عيناي على الدنيا.. والإهمال المتهم الأول والأخير.. يقتل ويدمر ويحرق ولا أحد يحاكمه أو حتى يقاومه.. الموت إهمالاً في مصر يشبه الموت بالسكتة أو بالسرطان.. موت طبيعي لا يصدمنا.. ربما لأن الإهمال تحول إلى سرطان.. ينتشر ويتوغل في بيئة مواتية ونموذجية.. أو لأنه يعيش بيننا كائناً طبيعياً، فاعتدناه وألفناه.. فلماذا نحيل المسؤولين عن وحدة الغسيل الكلوي إلى «التحقيق».. بينما هم نتاج منطقي لحالة عامة؟!.. نعم حالة عامة ومتجذرة منذ القدم..!

أطلقوا سراحهم.. فهم ليسوا أسوأ مني ومنك.. ولا تتهموا الإهمال فهو دم وخلايا وأنسجة في أجسادنا.. ليس لأننا أوغاد أو متخلفون وجهلة.. وإنما لأنهم أرادونا كذلك منذ عقود طويلة..!

الإهمال ليس متهماً ولا سبباً.. وإنما نتيجة وعرض لمليون مرض في مصر.. الإهمال ابن شرعي لتعليم متخلف يحتل المركز قبل الأخير على مستوى العالم.. إذ كيف نحلم بطبيب كفءٍ ومسؤولٍ أمينٍ لم يتعلم الأخلاق والضمير في المجتمع، ولم يتلق علماً حقيقياً في المدرسة والجامعة؟!.. كيف نحاكمهم ونحن جميعاً مثلهم.. فما الفرق بين طبيبٍ مهملٍ ومواطنٍ يغتصب القانون كل لحظة في الشارع والعمل والطرق؟!.. وما الاختلاف بين مسؤول صيانة ماكينات الغسيل الكلوي، ومسؤول صيانة القطار وسائقه وملاحظ الإشارات والمهندس والمدرس والمقاول والموظف الحكومي والصحفي وسائق المقطورة والميكروباص؟!

ما حدث – يا سادة – في مستشفى ديرب نجم المركزي هو مركزي في المجتمع.. حدث من قبل مئات المرات.. وسيحدث مستقبلاً ما لم نتعامل مع المشكلة من جذورها: الإنسان.. أصلحوا الإنسان المصري من لحظة ولادته تستقِم حياتكم.. أرضعوه الأخلاق والضمير مع الحليب.. علموه أن إتقان العمل ورفعة بلده والإنتاج والابتكار والعلم هى النشيد الوطني الحقيقي.. وأن مصر لن تتقدم إلا به وحده.. وساعتها لن تحتاج “الست فردوس” لماكينة الغسيل الكلوي أصلاً.. وإن حدث.. ستجدها آمنة.. نظيفة.. لأن العلة ليست في الماكينة.. ولكن في “الست الوزيرة” ومن سبقها على مقعدها، ومن يعملون في وزارتها من حلايب إلى السلوم.. وأنا وأنت أيضاً..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى