فن

ألمانيا – قصة لاجئ سوري في انتظار لَمّ الشمل

في انتظار لَمّ شمل عائلته بألمانيا منذ حوالي عام، فقََد اللاجيء عدنان غنيمة زوجته إثر تفجير في سوريا. وفي محاولة الحد من معاناة أبنائه قرر الأب الزواج مرة ثانية ليواجه عقبات أخرى في مغامرة لمّ الشمل.يعاني العديد من اللاجئين السوريين في ألمانيا من الإجراءات المعقدة في عملية لَمّ شمل أسرهم، حيث يعيش معظمهم مشاعر الخوف على ذويهم ويمتلكهم الشعور بالذنب لتركهم في ظروف الدائرة في الوطن. عدنان غنيمة، وهو أب سوري لاجيء، واجه عقبات كثيرة في إجراءات لَمّ الشمل وحتى الآن دون نتيجة.

بين خيارين، وأحلاهما مر

وجد عدنان غنيمة (33عاماً) نفسه أمام خياربين أمرين: الحرب أو البحر. ففضل، على غرار الكثير من الآباء السوريين، المخاطرة بحياته بمفرده للوصول إلى ألمانيا، وبالتالي لتجنيب عائلته مخاطر الفرار، آملا في أن يقوم في وقت لاحق بلمّ شمل أسرته بشكل قانوني وآمن . كان ذلك هدفه الأساسي من رحلة اللجوء التي رافقه خلالها أخوه وابن أخيه منذ عام تقريباً. لكن بعد مرور شهر على وصوله لألمانيا، اكتشف اللاجئ السوري أن الأمر ليس سهلا.

وعن تلك الفترة من حياته يكشف عدنان في مستهل حديثه لـDWعربية عن التفاصيل: ” حتى اللحظة مرعلى وصولي لألمانيا رفقة أخي وابن أخي عام وشهرين بالضبط، كانت رحلة لجوئنا محفوفة بالمخاطر، فقد اقتربنا مرات عدة من الموت ند عبورنا البحر واجتياز حدود دول عديدة عبر التهريب، لهذا قررت المخاطرة بمفردي وتجنيب أسرتي أهوال هذه الرحلة التي أصبحت جزء لا يتجزأ من معاناة أي لاجئ“. وبعد وصول الأب السوري لألمانيا و تقديم طلب لَمّ الشمل وانتظاره طويلاً لاستكمال الوثائق المطلوبة، تفاجأ بخبر وفاة زوجته الحامل في شهرها الخامس واصابة طفليه إثر تفجير حدث في سوريا.

وعلم عدنان بهذه الحادثة صدفة من خلال رؤية فيديو نُشر على الفيسبوك حول انتشال جثة زوجته وأبنائه المصابين، حيث تدهورت حالته النفسية بسبب الخوف على طفليه وشعوره بالذنب لتركهما دون أم بين مخالب تلك الحرب الشرسة. وفي ظل تعقيدات إجراءات لمّ الشمل التي واجهته أنذاك، لم يكن أمامه سوى خيار السفر بنفسه لتركيا وإستقدام أبنائه. ويصف عدنان معاناته النفسية آنذاك بنبرة حزنة ويقول :“ مكثت خمسة أشهروحدي بغرفة صغيرة في بيت أخي بميونخ، لم أغادرها ولم أر أحدا ولم أتكلم مع أحد ولم أكن أعلم أي شيء عن مصير طفليَ على مدى خمسة أشهر، انتظرتها، قبل الحصول على تأشيرة السفر لتركيا. وفي نهاية الأمر تمكنت من السفر واستقدام إبني أحمد وبنتي مريم”.

مسؤولية الأم إلى جانب مسؤوليته الأب

بعد مضي ستة أشهر تقريباً على استقدام عدنان للطفلين أحمد (4 أعوام) ومريم (8 أعوام) لألمانيا، وبعد العيش معهم في بيت مستقل، وجد الأب السوري نفسه أمام تحديات كثيرة، فقد كان يحاول من جهة تخفيف آثار الصدمة النفسية التي أصابت الطفلين وملئ الفراغ الذي تركته الأم، و من جهة أخرى كان يحرص على إدامجهم داخل المجتمع الجديد.“عندما وصلا إلى ألمانيا بدأت معاناة من نوع آخر، فأنا بسوريا لم أكن متعودا على تربية الأطفال والاهتمام بكافة الأمورالمنزلية كالطبخ والتنظيف وترتيب المواعيد. كانت زوجتى المتوفاة تقوم بكل تلك الأمور، وكان دوري تقليدي كأي أب يعمل خارج المنزل لتوفير الاحتياجات المادية لأسرته”.

بعد تجهيز الطفلين للذهاب للمدرسة والقيام بالأشغال المنزلية كان الأب يتوجه بدوره للمدرسة من أجل تعلم اللغة، التي لايزال يجد صعوبات في تعلمها بالرغم من مرور تسعة أشهر على بداية تلعمها، ويقول:” عبء تربية الطفلين والاهتمام بهما بمفردي يأثرسلباً على نفسيتي وعلى تعلم اللغة. ثم يتساءل:”كيف لي التعلم والاستيعاب ونفسيتي غير مرتاحة ، حيث الشعور بالخوف الدائم من التقصير في تربيتهما في ظروف غياب الأم؟”.

أجرى عدنان مؤخراً عملية جراحية على أنفه، وبالرغم من حالته الصحية الحرجة، رفض البقاء في المستشفى لخمسة أيام، وترك أبنائه لوحدهما بالبيت. ويرى عدنان أن بناء حياته من جديد والاندماج بالمجتمع الألماني، في ظل الصدمة النفسية التي عاشتها الأسرة تشكل أكبر التحديات بالنسبة له في الوقت الحالي:“ ابنتي الأكبر سنا تأقلمت بسرعة في المدرسة وتعلمت التحدث باللغة الألمانية بشكل جيد أيضاً، لكن ابني الصغير لا يزال تحت تأثير صدمة حادثة فقدان والدته، ويعاني من صعوبة في النطق وبالكاد أستطيع فهمه وكلذلك الأمر بالنسبة لأخته”. ويضيف:”بعد عرضه على عدة أطباء في تخصصات مختلفة، اتضح أن السبب نفسي وليس عضويا، وهذا يتطلب جهدا أكبر مني”.

في انتظار لمّ شمل أم بديلة

وفي البحث عن حياة أكثراستقراراً في بلد اللجوء، قرر الأب الزواج من جديد، ووقع اختياره على فتاة مقيمة في سوريا. ”هذه الفتاة كانت ترعى أبنائي أثناء فترة تدريب مهني لزوجتي كممرضة حينها. كان أحمد ومريم يقضيان معها يوميا أربع إلى ست ساعات، فتعلقا بها كثيراً وبقيا على تواصل معها حتى عند المجئ إلى ألمانيا”.

وبعد أن لاحظ عدنان مدى تعلق الطفلين بهذه الفتاة، ومدى حبها لهما وتعاملها معهما كأم ، حيث تتغير نفسيتهما إلى الأفضل عند الحديث معها بالهاتف، فضل الزواج منها على الزواج من فتاة أخرى بألمانيا، بالرغم من صعوبات لم الشمل: ”صارحت ابنتي، التي هي أكثر وعياً من ابني الأصغر بقرار زواجي، فلاحظت وجود أثر ايجابي عليها ”.

تم عقد قران عدنان بالفتاة السورية، التي تدرس الأدب الفرنسي بسوريا "عبر الهاتف". والآن يريد عدنان البدء في اجراءات لم الشمل مع زوجته، وهو يخشى العقبات التي تنتظره في ذلك. ومن أبرزها مقاررة زواجه بالمحكمة واصدارجواز سفر لزوجته السورية.

أهمية فهم الطبيب لمشاعر المعاناة

استطاع عدنان التحلي بالصبر ومقاومة معاناته النفسية شيئا ما، غير أن العديد من اللاجئين مثله لا يستطيعون التغلب بمفردهم على الصدمات النفسية، ويلزمهم اللجوء إلى المعالج النفسي، كما تقول الطبيبة النفسية نادية صفيري في لقاء لها مع DWعربية: “ من الضروري قبل بدأ العلاج بناء علاقة ثقة وتفاهم بين المعالج النفسي اللاجئ المريض بالخصوص، بسبب الضغوطات والصدمات النفسية من الحرب وصعوبات عمليات اللجوء والاندماج”. وتضيف الصفيري واصفة طريقتها الخاصة في العلاج قائلة:” خلال جلسة العلاج أحرص دائما على فهم المريض ومشاركته في معاناته من خلال تجربتي الشخصية ، حيث إني أيضا طبيبة من أصول مهاجرة وكان لي نصيبي في التحديات المرتبطة بالاندماج داخل المجتمع الألماني وبذلك أصبح جزءاً في عملية علاجه.”

وتعتبر الطبيبة النفسية، وهي من أصول مغربية أن وجود معالج يتحدث لغة المريض ينعكس إيجابيا على النتيجة وعلى نفسية المريض، حيث إن هناك العديد من الأشياء التي لا يمكن ترجمتها بشكل ملموس وبسهولة، مثل بعض الأحاسيس والإيماءات، مشيرة إلى وجود نقص في عدد المعالجين الذين يجيدون اللغة العربية في الوقت الحالي.

حالة انسانية تحتاج لإثبات

ولتقييم الوضع القانوني لعدنان وامكانية وجود استثناءات في القانون الألماني لمساعدته ومساعدة غيره من اللاجئين في مثل هذه الأوضاع يرى خبير قانوني، فضَل عدم ذكر اسمه، أنه في العموم يحق لعدنان تقديم طلب لمّ الشمل بالنسبة لزوجته، لأنه حاصل على الاعتراف بحق اللجوء، ولكن قبل ذلك يجب عليه أن يستوفي لشروط أخرى متعارف عليها مثل تأمين العيش والسكن، ومقاررة الزواج. ومن أجل تسريع إجراءات لمّ الشمل يجب تقديم حجج قوية تثبت وجود وضع إنساني استثنائي. ولكنه يشير من جهة أخرى إلى أن قضايا لمّ الشمل ليست بالعملية السهلة عموما وأنها تتطلب بعض الوقت، ولذلك فمن الأحسن متابعة القضية عن كثب من خلال خبرة المحامي أو المحامية.

في لحظات الشعور باليأس يفكر عدنان أحياناً في العودة إلى سوريا، ولكنه يتراجع عن مثل ذلك القرار عندما يرى ابتسامة طفليه. لحد الآن لم يقدُم الأب على أية خطوة في إجراءات لَمّ شمل العائلة، خوفا من الصعوبات والتعقيدات التي قد يقف أمامها عاجزا. ويتذكر اللاجيء عدنان المشهد "المبكي" عند عبور طفليه الحدود السورية التركية ويقول: “لو تخيل السوريون حجم عذاب لمّ الشمل، لما أتى أحد منهم إلى هنا دون عائلته“.

إيمان ملوك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى