أخرالاخبارمقالات

الغابون.. لعنة إفريقية جديدة على فرنسا أم خطوة باتجاه الشرق؟

بقلم: د. سمير الددا

رئيسة وزراء ايطاليا جورجيا ميلوني مكشوف عنها الحجاب على ما يبدو, رغم أنها معروفة بعنصريتها وامتعاضها من الاجانب, قبل بضعة أعوام وتحديداً في عام 2018 كانت تتحدث امام حشد من مؤيديها حول تصريح للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون واصفاً فيه منسوبي حزب “اخوة” اليميني الحاكم التي ترأسه ميلوني بالمقرفين والغير مسؤولين, وادلت في ذلك الوقت في سياق ردها على ماكرون بتصريحات جريئة نادرة وغير مسبوقة غسلت ماركون ونشرته وفضحت امام وسائل الاعلام ما تقترفه فرنسا من جرائم في حق دول وشعوب قارة افريقيا, ومن ضمن ما قالته أن فرنسا تسيطر على ثروات هذه القارة المنهوبة وان الدول الافريقية تعاني من الفقر ليس بسبب شح مواردها, وانما بسبب ان دولة اوروبية (هي فرنسا) تهيمن عليها وتسيطر علي مقدراتها وتسخر أطفالها في استخراج المواد الخام من المناجم حسب تعبيرميلوني والتي اشارت الى النيجر بالاسم, مشددة على ان فرنسا تستحوذ على يورانيوم النيجر لتزويد مفاعلاتها النووية لتوليد 70% من الكهرباء التي تنتجها فرنسا لتضيئ كافة ارجاء اراضيها بما فيها العاصمة باريس التي تسمى عاصمة النور لغزارة الانوار التي تتلألأ في كل شوارعها وازقتها ومن ثم تصدر الكهرباء الفائضة لجيرانها الاوروبيين مقابل مبالغ ضخمة قدرتها بعض المصادر بأكثر من 12 مليار دولار سنوياً مما يجعلها من اهم مصدري الطاقة في اوروبا, هذا في حين ان 90% من شعب النيجر يعيشون بلا كهرباء وفقاً لما قالته رئيسة الوزراء الايطالية, والتي ذكرت ايضاً ان فرنسا تلزم 14 بلداً افريقياً التعامل بعملة فرضتها عليهم, تقوم هي بصكها وطباعتها وتجبر هذه الدول على دفع اجورباهظة مقابل ذلك, والأدهى والأمر أن فرنسا تحتفظ عنوة بالإحتياطيات النقدية لهذه الدول في البنك المركزي الفرنسي في باريس, وهذا يعني عملياً ان كل هذه الدول تبقى رهن السيطرة أو الاحتلال الاقتصادي والمالي الفرنسي, وحتى العسكري الى حد كبير كون ان لفرنسا قواعد عسكرية في كل هذه الدول, وربما هذا قد لا يكون سراً او جديداً ولكن الجديد ان يصدر علناً عن مسؤول اوروبي كبير بوزن جورجيا ميلوني…..”الحق ما يقر به الاعداء”.

عين جورجيا ميلوني كانت حامية على فرنسا, منذ تصريح هذه المرأة وسوء الطالع يلازم الاخيرة ورئيسها مكارون, فها هي فرنسا السنوات القليلة الماضية تخرج من حفرة لتقع في دحديرة كما يقال, فبعد كم شهر من هذا التصريح فوجئت باريس بإقدام استراليا على إلغاء صفقة اسلحة (غواصات) ضخمة قدرتها مصادر بحوالي 40 مليار دولار كانت اتفقت عليها مع شركة نافال الفرنسية وذلك بعد حوالي سنة ونصف من التوقيع على عقود الصفقة وبعد ان قطعت الشركة الفرنسية شوطاً كبيراً في العمل على بناء غواصات تعمل بالديزل والكهرباء لصالح القوات المسلحة الاسترالية ورغم ذلك فقد تم الغاء الصفقة, وكان ملفتاً انه تزامناً مع الغاء الصفقة قامت استراليا بالاعلان عن ابرام صفقة غواصات ايضاً ولكن مع الولايات المتحدة, مما اثار غضب الفرنسيين فراحوا يطلقون اشد عبارات الشجب والاستنكار والاتهامات بالتخوين والطعن في الظهر وما شابه ولكن كانوا كمن يؤذن في مالطا, وذكرنا بحال العرب ووقوفهم عاجزين ( وربما متواطئين) امام جرائم وارهاب الصهاينة ضد الفلسطينيين وقتل فلذات اكبادهم وسرقة اراضيهم وتدمير بيوتهم وحصارهم براً وبحراً وجواً.

وايضاً مرت فرنسا باوقات عصيبة خلال احتجاجات المناهضين لاقرار قانون رفع سن التقاعد, شهدت عدة احياء باريسية حرائق وتدمير واعمال شغب خطيرة اسفرت عن مصابين وضحايا وخسائر كبيرة في الممتلكات الخاصة والعامة, بالاضافة الى اعمال شغب على خلفيات مواجهات عنصرية راح ضحيتها مدنيين وامنيين, ربما اخر حلقاتها التي يبدو انها لن تنتهي حادثة مقتل الصبي المسلم نايل مرزوق وما خلفه ذلك من قلاقل واعمال شغب, واليوم هناك حدث عنصري (اللباس الاسلامي) يتفاعل في باريس وعلى الارجح سيكون له تداعيات سلبية.

أما في افريقيا التي اشارت اليها السيدة ميلوني بملئ فيها, فقد خسرت فرنسا السنوات الثلاث الماضية 6 دول من مستعمراتها غرب هذه القارة البائسة…. مالي عام 2020, كلا من تشاد وغينيا عام 2021, بوركينا فاسو عام 2022 واخيراً النيجروالغابون خلال شهري يوليو واغسطس 2023, وهناك دولتان في الطريق كما تشير التوقعات المبنية على المزاج الشعبي فيهما هما جارتا الغابون الكاميرون والكونغو, (بعض المراقبين يرشحون اريتيريا ايضاً), مما دفع السلطات في تلك الدول الى نشر قوات مكثفة حول مقرات المرافق الحكومية الحيوية وفي الشوارع وعلى المفترقات تحسباً لانتقال عدوى الانقلابات إليها من محيط الجغرافي المجاور.

فرنسا كانت طيلة قرن من الزمن تقريباً تهيمن على مناجم المعادن الثمينة والمواد الخام ومصادر الطاقة زهيدة التكلفة (او شبه المجانية) في دول غرب افريقيا, كالنفط والغاز والالماس والذهب واليورانيوم والمنغنيز والاخشاب وغيرها, تغييب فرنسا قسراً عن المشهد العام في هذه الدول الافريقية الست تعتبره باريس خسارة استراتيجية ثقيلة, لان هذه الدول عمدت الى قطع علاقاتها الدبلوماسية والسياسية مع فرنسا وطلبت من كلاً السفير الفرنسي والقوات المتواجدة في القواعد العسكرية الفرنسية على اراضيها المغادرة فوراً, وهذا (وان كان من حق شعوب تلك الدول التي لها مطلق السيادة على اراضيها وفقاً للاعراف الدولية), من شأنه ان يلحق اضراراً فادحة بالنفوذ الفرنسي في القارة الافريقية حديقة باريس الخلفية وبالطبع سيكون ذلك لصالح قوى مناوئة لباريس والغرب عموماً, وكل سياقات ما يجري في الدول المذكورة والدول المجاورة لها يشير الى روسيا والصين, وان كان الحضور الروسي اكثر بروزاً والبركة في ميليشيات فاغنر.

هذا ناهيك عن الخسائر الضخمة التي سيتكبدها الاقتصاد الفرنسي الذي يرتكز بالدرجة الاولى على صناعات تعتمد كليةً على المواد الخام ومصادر طاقة من البلدان الافريقية التي اشرنا اليها, مثل يورانيوم النيجر الذي تغذي به مفاعلاتها النووية الستة والخمسين المخصصة لاغراض عسكرية وطبية وعلمية واقتصادية بما فيها انتاج كميات هائلة من الطاقة يصدر منها ما قيمته مليارات الدولارات, في حين ان 75% من شعب النيجر تحت خط الفقر و90% منهم بلا كهرباء, وهذه معادلة فرنسية نيجرية في غاية الظلم والاجحاف, وهذه النهاية الدرامتيكية التي وصلت اليها هذه المقاربة تعتبر منطقية جداً ومتوقعة وان جاءت متأخرة.

لم تفق فرنسا من صدمة انقلاب النيجر في شهر يوليو الماضي ولم تستطيع باريس الى اليوم ان تجاوز هذا الانقلاب الذي تسبب لها بخسائر اقتصادية واستراتيجية ضخمة رغم ممارستها لضعوط سياسية ودبلوماسية وحتى التلويح باعمال عسكرية, واذ بها تتفاجأ بصفعة اخرى من القوات المسلحة الغابونية لا تقل عن تلك التي تلقتها من جيش النيجر قبل نحو شهر.

خسرت فرنسا بانقلاب الغابون في 30 اغسطس أقدم واكثر العائلات السياسية موالاةً لها في افريقيا, عائلة بونغو التي حكمت الغابون لأكثر من 56 عاماً, الرئيس الراحل عمر بونغو الذي تربع على عرش السلطة في الغابون بلا منازع لاكثر من اربعة عقود هو أكبر موالي لفرنسا في افريقيا وورث عنه هذه السلطة وموالاة فرنسا ابنه علي بونغو لمدة 14 عاماً حتى اطاح به ابن عمه قائد الحرس الجمهوري الجنرال بريس أوليغي نغيما يوم الاربعاء الاسبوع الماضي, واسرة بونغو تعتبر من اغنى واثرى العائلات في افريقيا بل في العالم بثروة قدرتها مصادر فرنسية بالمليارات, علاوة على ان شركة “دلتا سينرجي القابضة” المملوكة لعائلة الرئيس المخلوع علي بونغو تمتلك حصصاً في جميع الشركات المهمة العاملة في الغابون تقريباً بما فيها الشركات الفرنسية التي تحتكر قطاعات النفط, التعدين والطاقة والتأمين والبنوك والاخشاب وغيرها حسب الموقع الاستقصائي الفرنسي “ميديا بارت”, هذا في حين ان حوالي نصف شعب الغابون يصنفون تحت خط الفقر في بلد زاخر بموارد طبيعية هائلة كالذهب والمنجنيز والغاز والنفط (الغابون عضو في منظمة الدول المصدر للبترول – اوبك), وكذلك الثروة الزراعية الضخمة كون ان الغابون يمتلك مساحات هائلة صالحة للزراعة حيث تشكل الغابات اكثر من 80% من مساحة البلاد وتزخر بحياة برية ثرية جداً ونادرة بما في ذلك اعداد هائلة من الطيور والزواحف والحيوانات البرية النادرة التي تدر على البلاد ثروات ضخمة, وكميات هائلة من الاخشاب ذات النوعية الجيدة والنادرة التي تسيطر عليها شركات فرنسية وتدخل في كثير من الصناعات الخشبية ابرزها صناعة الأثاث وصناعة الديكورات الداخلية للسيارات وصناعة الالات الموسيقية كالبيانو والغيتار وغيرها, هذا بالاضافة الى عائدات السياحة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى