مقالات

الملكة فريدة بقلم| حسن المستكاوي

 حسن المستكاوي

حسن المستكاوي

لماذا يساوى إحراز فريدة عثمان برونزية 50 متر فراشة فى بطولة العالم.. أفضل إنجاز رياضى مصرى فى مائة عام؟

** أن يصبح اسم فريدة عثمان «تريند على تويتر» فإن ذلك معناه أن الشباب والناس يدركون قيمة البطولة الحقيقية، وقيمة الإنجاز الذى حققته فريدة بحصولها على برونزية 50 متر فراشة فى بطولة العالم رقم 17 بالمجر.. وهى أول ميدالية عالمية للسباحة المصرية فى التاريخ.. والميدالية تساوى أهم إنجاز رياضى مصرى فى مائة عام لأنه تحقق فى بطولة عالم.. وربما ينافس فريدة عثمان فوز كرم جابر بذهبية دورة أثينا، مع فارق التطور الذى طرأ على الرياضة، مقارنة بميداليات أخرى حققها جيل القوة الفطرية فى النصف الأول من القرن العشرين.. (هناك معجزة أخرى فى كرة القدم ولكنها ليست عالمية، وهى الفوز بكأس إفريقيا 3 مرات متتالية).

 ** ميدالية فريدة هى الأهم فى مائة عام لأن السباحة لعبة قاسية فى تدريباتها وصناعة بطل عالمى يساوى صناعة سيارة. ولأن التدريب يجب أن يكون علميًا ورفيع المستوى من جميع النواحى، التحمل، التغذية، السرعات. ولأن المنافسة فى مراحل البطولة المختلفة شديدة.

** فيما يتعلق بموضوع الجينات سنجد مثلا أنه من النادر أن يكون هناك بطل سباحة أسمر اللون أو إفريقى، وهذا تحقق أخيرا جدا. بينما أبطال الجرى لمسافات قصيرة معظمهم من أصحاب البشرة السمراء.. والجينات المصرية تقول إن اللعبات التى تميز فيها الرياضيون المصريون قديما وحديثا هى ألعاب القوة، رفع الأثقال والمصارعة، وبالطبع الإسكواش ونحن ملوكه حاليا، ثم اللعبات النزالية الجودو، والملاكمة، والتايكوندو.. والسلاح.. وقليل من الرماية.. والفروسية زمان مع جيل الفارس الكبير جمال حارس.. مع ملاحظة أن التميز يعنى مراكز متقدمة وليس فقط ميداليات.

** فريدة عثمان تدرس وتتدرب فى أمريكا. وأنهت دراستها فى جامعة كاليفورنيا. وليس معنى ذلك أن إنجازها ليس مصريًا.. فأبطال العالم واللعبات الأولمبية فى كثير من الرياضات يتدربون فى أمريكا.. ويحتفل العالم بإنجازاتهم لبلادهم.. أما موضوع الاهتمام الإعلامى وهل يصنع شعبية للعبات شهيدة أم أن البطولة هى التى تصنع شعبية تلك اللعبات؟ وهى قضية يطول النقاش فيها.. لكن دون شك عشرات الأبطال يعانون من ظلم كرة القدم..!

** أشير إلى أن السباحة القصيرة لم تكن من اللعبات التى تفوق فيها الرياضيون المصريون سوى مرة واحدة وذلك فى دورة لندن الأولمبية عام 1948 حيث حصل السباح طه الجمل على المركز الثامن فى سباق مائة متر حرة بزمن قدره دقيقة وثلاثة أعشار من الثانية. فيما كان رقم الأمريكى ريز الفائز بالمركز الأول (57.6 ثانية) . وكان المركز الثامن هو أفضل إنجاز حققته السباحة المصرية فى الألعاب الأولمبية. وبمقاييس المنافسة واتساعها وتطور السباحة وأرقامها كان تأهل طه الجمل إنجازا فى وقته. ثم ظهرت رانيا علوانى.

** أخيرا ظهر جيل فريدة عثمان، وأحمد أكرم الذى حصل على المركز الرابع فى سباق 1500 متر حرة فى بطولة العالم السابقة فى كازان بروسيا، ومحمد سامى الفائز ببرونزية العالم للناشئين، وعمر عيسى وعلى خلف الله.. وكانت فريدة عثمان حصلت على المركز الخامس فى سباق 50 متر فراشة وهو ليس سباقًا أولمبيًا. كذلك فاز محمد سامى ببرونزية 50 متر ظهر فى بطولة العالم للناشئين بسنغافورة 2016.

** فى عام 2015 حين فازت فريدة عثمان بالمركز الخامس قلت: «هذا المركز الذى حققته ملكة السباحة المصرية فريدة فى بطولة العالم يساوى عندى أن يتأهل منتخب مصر لكرة القدم إلى نهائيات المونديال، ويعبر الأدوار التمهيدية، ويصعد إلى دور الستة عشر ثم إلى الثمانية، ثم إلى قبل النهائى، ثم يلعب على المركز الثالث، ويخسر أمام منتخب إيطاليا، ويحقق المركز الرابع..؟!»

** وفريدة عثمان هى أول مصرية تفوز بميدالية ذهبية فى بطولة العالم للناشئين وكان ذلك فى بيرو عام 2011. وهى الآن عمرها 22 سنة، بينما تبلغ أعمار منافستها فى سباق 50 متر فراشة، ما بين 25 و28 عاما. وهذه الأعمار تمثل تطورا فى السباحة الحديثة مقارنة بالنصف الثانى من القرن العشرين، حيث كان السباحون يعتزلون فى سن الثامنة عشرة.

** حين يكون إنجاز فريدة عثمان واسمها تريند فى تويتر فإن ذلك يساوى تقديرا جماهيريا وشعبيا كبيرا لها ولإنجازها. لكن علينا أن ندرك أولا أن المراكز المتقدمة فى المستويات العالمية من الإنجازات أيضا فليس حتميا أن يقترن بالميداليات فقط. إذن أفكارنا يجب أن تتغير، فلا تكون المشاركات غير مدروسة ومسيئة، وفى الوقت نفسه علينا أن ندرك معنى المراكز المتقدمة فى أكبر حركة سلام عرفتها البشرية وهى الألعاب الأولمبية.. وعلى مستوى البطولات العالمية. وندرك قيمة الإنجاز الرياضى الحقيقى.. وعلينا وعلى الإعلام تحديدًا التوقف فورًا عن الإسراف فى استخدام كلمات البطل والبطولة.. والتاريخ.. والتاريخية.. لأن هذا الإسراف شوه البطولة الحقيقية.. ولأننا لم نترك شيئا للتاريخ ليسجله..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى